يتمتع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بسلطات واسعة، تمكنه من إصدار سيل من قرارات العفو، حتى أيامه الأخيرة في الحكم، ما جعل كثيرون يتساءلون عن إمكانية لجوء استغلال الرئيس الحالي دونالد ترامب لهذه السلطات، قبيل مغادرته للبيت الأبيض، مطلع العام المقبل.

وأصدر ترامب بالفعل قرارات عفو لمؤيدين له أبرزها في وقت سابق من العام الجاري عندما خفف الحكم الجنائي الصادر على روجر ستون الذي صدر الحكم بسجنه بعد إدانته بالكذب تحت القسم أمام المشرعين.

بل إن الرئيس دونالد ترامب، الذي فشل في الحصول على ولاية رئاسية ثانية، كان قد قال عام 2018 إن لديه ”الحق المطلق“ في العفو عن نفسه، وهو ما يخالفه فيه كثير من أساتذة القانون الدستوري.

حدود سلطة العفو

وسلطة العفو المنصوص عليها في الدستور الأمريكي واحدة من أوسع السلطات التي يتمتع بها رئيس. فقد رأي الآباء المؤسسون أن سلطة العفو وسيلة لإظهار الرحمة وخدمة المصلحة العامة.

وفي حين أن قرارات العفو تصدر في العادة لمن حوكموا فإنها يمكن أن تشمل السلوك الذي لم تتخذ بعد بشأنه الإجراءات القانونية.

والعفو لا تراجعه الأفرع الأخرى للحكومة، والرئيس ليس مضطرا لإبداء أسباب لعفوه. وهناك عفو يمحو الإدانة الجنائية. وهناك صيغة مختلفة من العفو التنفيذي تعرف بالتخفيف وتبقي الإدانة كما هي لكنها تلغي عقوبتها. لكن سلطة العفو ليست مطلقة.

والعفو ينطبق أساسا على الجرائم الاتحادية. وهذا يعني أن سلطة العفو ليس من شأنها، على سبيل المثال، حماية رفاق ترامب من التحقيق الجنائي الذي يجريه المدعي العام لمنهاتن سيروس فانس.

وفُتح تحقيق فانس، الذي بدأ منذ أكثر من عامين، في مدفوعات مالية غير قانونية قدمها مايكل كوهين المحامي السابق لترامب قبل انتخابات عام 2016 لامرأتين هما ممثلة أفلام إباحية وموديل سابقة لمجلة بلاي بوي قالتا إنهما كانت لهما لقاءات جنسية مع ترامب. ونفى ترامب اللقاءات وقال إن دوافع التحقيق سياسية.

وأشار المدعي العام في الأوراق المقدمة للمحكمة إلى أن التحقيق أوسع الآن ويمكن أن يركز على احتيال محتمل مصرفي وضريبي وتأميني إلى جانب تزييف سجلات تجارية. وليس من الواضح أي مرحلة وصل إليها التحقيق. ولم يتم اتهام أحد بمخالفات جنائية.

العفو عن أفراد أسرة الرئيس

يسمح القانون للرئيس الأمريكي بالعفو عن محيطه العائلي، وبالتالي يمكن لدونالد ترامب العفو عن الدائرة الضيقة المحيطة به، بمن في ذلك أفراد أسرته.

وفي عام 2001 أصدر الرئيس بيل كلينتون عفوا عن شقيقه روجر الذي أدين بحيازة الكوكايين في ولاية أركانسو. وكما عفا عن نحو 450 من بينهم متبرع للحزب الديمقراطي فر من البلاد بسبب اتهامات بالتهرب من الضرائب.

وقال ترامب إن بإمكانه العفو عن مايكل فلين مستشاره السابق للأمن القومي الذي أقر بجريمة الكذب على مكتب التحقيقات الاتحادي، بشأن مناقشات أجراها مع مسؤول روسي، قبل تنصيب ترامب في عام 2017.

وبينما ينتظر فلين صدور الحكم عليه سعي لسحب اعترافه، فيما تسعى وزارة العدل للحصول على إذن قاض لشطب الدعوى.

وهناك أيضا تكهن بأن ترامب سيعفو استباقيا عن محاميه الشخصي ورئيس بلدية نيويورك السابق رودي جولياني. ويحقق المدعون الاتحاديون في منهاتن حول ما إذا كان جولياني انتهك قوانين جماعات الضغط في تعاملاته في أوكرانيا.

والتحقيق الخاص بجولياني مرتبط بالقضية الخاصة باثنين من رفاقه متهمين بانتهاكات تتعلق بتمويل الحملة الانتخابية. ونفى جولياني انتهاك أي قوانين ولم يتم اتهامه بمخالفات جنائية من قبل المدعين.

العفو عن الرئيس

وليس هناك إجابة قاطعة عن حول ما إذا كان يحق للرئيس العفو عن نفسه. ولم يحاول رئيس القيام بذلك من قبل، وبالتالي فإن المحاكم لم تبحث هذا الأمر.

وقال برايان كالت وهو أستاذ في القانون الدستوري في جامعة ميشيجان ستيت: ”عندما يسألني الناس إذا كان من حق رئيس العفو عن نفسه فإن إجابتي دائما هي ’حسنا، يمكنه أن يحاول.. الدستور لا يقدم إجابة واضحة عن هذا“.

ويقول كثير من خبراء القانون إن العفو عن النفس غير دستوري لأنه ينتهك المبدأ الأساسي القائل إن أحدا لا يجب أن يكون القاضي في قضية تخصه. وقال كالت إن ذلك في رأيه أقوى حجة.

وبإمكان ترامب محاولة العفو عن نفسه استباقيا لمنع إمكانية محاكمته بعد أن يترك الحكم.

وأضاف كالت ”في هذه الحالة ربما لا يتم بحث مدى مشروعية العفو في المحكمة.. لكي تنظر محكمة في قانونية العفو يتعين أن يوجه مدع اتحادي اتهامات لترامب الذي سيكون عليه استخدام العفو كدفاع“.

تبادل الأدوار

في مذكرة في عام 1974 قال محام من وزارة العدل إن الرئيس ريتشارد نيكسون لم يكن بإمكانه العفو عن نفسه، لكن هناك اختيارا آخر دستوريا وهو أن يتنحى مؤقتا وينال عفوا من نائبه، ثم يستعيد المنصب.

ومن أجل أن يفعل نيكسون ذلك كان يتعين عليه تفعيل المادة 25 من الدستور التي تسمح لرئيس عاجز بالتنحي مؤقتا.

واستقال نيكسون في النهاية بسبب فضيحة ووترجيت وفي مواجهة إجراءات مؤكدة تقريبا بالعزل وإزاحته عن السلطة. وفي وقت لاحق عفا خلفه جيرالد فورد عن أي جرائم اتحادية ارتكبها أو من الممكن أن يكون ارتكبها خلال شغله المنصب.

وقال كوري بريتشنايدر أستاذ العلوم السياسية في جامعة براون: ”من غير الواضح ما الذي سيكسبه مايك بنس من الموافقة على العفو عن ترامب.. لا أعتقد أن بنس يريد وجود مثل هذا الشيء في سجله“.