عصا ليبرمان وجزرته

نبيل عمرو
نبيل عمرو

نبيل عمرو

افيغدور ليبرمان هو الرجل الثاني في إسرائيل، وهو رغم كل خلفياته الشخصية والمهنية والسياسية، تبوأ رئاسة أهم مؤسسة إسرائيلية على الإطلاق، هي المؤسسة العسكرية والأمنية.

منذ أن بدأ حياته السياسية كممثل للمهاجرين الروس إلى ما قبل أشهر، كان يُنظر إليه باستخفاف نظراً لتصريحاته التي لا يمكن أن يقولها عاقل، حتى حين كان وزيراً للخارجية لم يؤخذ على محمل الجد ممن قبل نظرائه في العالم، فقد كان مجرد رقم في المعادلة الداخلية لا أكثر ولا أقل، غير أن محاكمته كوزير للخارجية تختلف جوهرياً عن محاكمته كرئيس للمؤسسة الأمنية والعسكرية، لأن الثانية تتطلب إجراءات ميدانية وتحتاج معظم السياسات المتعلقة بالفلسطينيين إلى مصادقته عليها حتى دون الرجوع إلى الحكومة ورئيسها.

افيغدور ليبرمان نشر خطة للتعامل مع الفلسطينيين تحت عنوان “العصا والجزرة” وصنف الفلسطينيين إلى قسمين.. الأول من هو مستعد للتعامل مع إسرائيل، والثاني من هو على غير استعداد لذلك، المتعاونون المفترضون سيلقون معاملة أفضل وهو ما يرمز إليه بالجزرة، أما القسم الآخر فله العصا إلى أن يثوب إلى رشده ويلتحق بالجزء الأول.

ونظراً لكونه وافداً حديث لإسرائيل، وصعد إلى المواقع العليا بسرعة قياسية، حتى صار يتطلع لرئاسة الحكومة “وكل شيء جائز في إسرائيل”، فإنه يتميز بسذاجة سببها ضحالة تجربته وقلة معرفته بما سبق من تجارب نفذها من كانوا أقوى منه وأفعل، فسياسة العصا والجزرة ابتدعها موشي ديان، وكان يغلفها بلغة ومسلكيات رصينة، كادت تظهره كما وأنه حريص على الفلسطينيين ومصالحهم، كان ذلك منهج عمل لوزير دفاع محترف ومتميز، إلا أنه أخفق تماماً وغادر الحياة دون إنجاز يذكر، وتجربة روابط القرى ما تزال ماثلة في الأذهان.

وفعلها قبله كذلك اسحق رابين الذي في عهده تمنى أن يبتلع البحر غزة، وكُسّرت عظام الفلسطينيين بالحجارة، فما كان منه إلا أن اعترف بفشل العصا والجزرة معا ليتخذ مسلكاً آخر أوصله إلى الموت قتلاً في ميدان ملوك اسرائيل على يد أشباه ليبرمان من المتشددين المتطرفين.

ثم دخلنا عهد شارون، الذي لم يقصر في تبني العصا والجزرة، ورغم الكاريزما الطاغية له، والإمكانيات القصوى التي كانت بين يديه، إلا أنه رحل دون أن يرى راية بيضاء على سطح بيت فلسطيني، ودون أن يحقق لإسرائيل ما وعد به من أمن عميق ومستديم.

خلاصة القول إن العصا والجزرة كانت سياسة كل الاسرائيليين الذي تصدروا مؤسسة القرار، مع تفاوت في الأغلفة والأدوات، ولو كان كل وزير دفاع في إسرائيل يقرأ تجربة من سبقه لأسقط هذا المصطلح من زمن، ولما تجرأ أي وزير دفاع لوضع خطط تحت هذا العنوان، سوف يرهق ليبرمان نفسه وهو يبحث عن فلسطينيين متعاونين، ولن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي يعترف فيه ليبرمان بإفلاس هذه السياسة، بل وتحولها إلى عكسها وكل وقائع التاريخ القريب تثبت هذه النتيجة.

إن الفلسطينيين وإن كانوا بأمس الحاجة لمقومات الحياة العادية كسائر خلق الله، إلا أنهم لم يكونوا يوماً ولن يكونوا مجرد باحثين عن تسهيلات تبدو بديهية لكل الناس، إنهم ببساطة بحاجة إلى وطن لا يتحكم فيه مريض لا أخلاقي اسمه ليبرمان أو من يشبهه، إنهم بحاجة إلى ممارسة كرامتهم وكبريائهم في جو من الحرية والاستقلال، إنهم بحاجة إلى دولة حقيقية لا أثر للاحتلال والاستيطان فيها، أما التسهيلات التي رمز إليها ليبرمان ومن سبقوه بالجزرة، فهي تلزم لمروضي القردة في حدائق الحيوان، أما الشعب الذي يتفوق على محتليه بقوة الإرادة والحياة والتأهيل فله المستقبل والحرية والاستقلال، وهذا ما لا يمكن أن يمنحه أمثال ليبرمان بل سينتزعه الشعب الفلسطيني طال الزمن أم قصر.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن