في ظل كورونا.. كيف لا يحدث مكوث الزوج في المنزل ردة فعل سلبية؟

في ظل كورونا.. كيف لا يحدث مكوث الزوج في المنزل ردة فعل سلبية؟

حتى لا يتحول “التباعد الاجتماعي” إلى “تقارب منزلي” بين الزوجين يضع البيت على النار، تُحذّر الأخصائية النفسية ومدربة التنمية الذاتية سحر مزهر من الارتداد الأسري السلبي الذي يمكن أن يُحدثه مكوث الزوج في البيت، خضوعا للحجر الطوعي، وانعكاسات ذلك على العلاقة بين الزوجين في إطار ما يستجد من خلط في الأدوار المنزلية والعائلية جرّاء تدخل الزوج في اختصاصات لم تكن له.

في مثل هذه الحالة نحتاط لأزمة صحية خارجية بنقلها إلى داخل البيت على شكل أزمة عائلية أشد خطورة، كما تقول مزهر.

هو تحويل التباعد الاجتماعي الخارجي، والضروري للوقاية من وباء كورونا، إلى تقارب منزلي مشوب بالتوتر الذي قد يؤدي لنتائج أسرية مأساوية.

برنامج ما قبل الكورونا

وتستذكر مزهر كيف كانت تسير الأمور قبل أسبوع فقط من أزمة كورونا والحجر المنزلي: برنامج يومي يبدأ صباحا بجدول أعمال كبير يجب إنجازه لكل فرد من أفراد البيت، وأكثر الجداول ثقلا وعبئا هو جدول الأم، لأنه وبكل بساطة يتقاطع مع باقي جداول أفراد العائلة، بدءا من الإيقاظ الجماعي، والتسارع بين تجهيز وإفطار وتوصيل ليبدأ كلٌّ بعمله ودراسته ويومه، وصولا إلى عودة الجميع مساءً للبيت.

ومع توازٍ شاق بين عملها، إن كانت عاملة، ومسؤولياتها المنزلية كأم وزوجة، ينتهي يوم حافل مليء بالإنجازات التي لا تخلو من مشاكل. كان يحدث هذا كله في ظل غياب الزوج الذي له برنامجه الخاص، الذي وإن تقاطع مع برنامج العائلة فإنه بالعادة مقدور عليه، لأن الزوج يعود للبيت ليجد كل شيء على ما يرام دون علمه لا بالكيفية ولا المجهود ولا النوعية التي تمت بها تأدية هذه المهام.

من وجهة نظره، هذا لا يهمّه غالبا؛ لأنه لا يرى إلا نتائج رائعة أومُرضية، ولا داعي لأن يزعج نفسه بالتفاصيل، كما تعتقد مزهر.

لكن ما حدث الآن لم يكن بالحسبان. فعندما دخلت أزمة كورونا أجبرته أن يكون شاهدا على تفاصيل سير العمل داخل المنزل خطوة بخطوة؛ ما يستفز لديه غريزة حب الاستطلاع لمعرفة الطرق والتفاصيل التي لم يكن يعرف عنها شيئا.

وبهذا تقول الأخصائية مزهر إن المرأة أقدر من الرجل على إدارة البيت وتحمل مسؤولياته وأعبائه وأعباء الأطفال وتربيتهم وتدريسهم وتحمل مشاكلهم وإنجازها ببراعة ومهارة وحب.

والآن حيث يتواجد الرجل “محجورا” بالبيت طوال الليل والنهار، فهو يتابع كل التفاصيل التي لم يكن يُبصرها سابقا في الحياة الداخلية ويتدخل بكل التفاصيل بإبداء رأيه، ومخالفة الكثير من القوانين، أو بعض السلوكيات التي وضعتها الأم وضبطتها، ولكن لأنه الزوج “الغائب الحاضر” فهو لا يعرف بحيثيات الأمور، وهنا تحدث المشاكل.

من وجهة نظر المرأة، فإن البيت والأبناء هم مملكتها وعالمها وهي من عملت على تنظيمهم بالطريقة التي تستطيع التحكم بها، دون طلب أي مساعدة من زوجها. وبالتالي عندما يتدخل الرجل منتقدا أو معلقا أو معترضا على أسلوب ما أو فوضى منزلية، فإن الزوجة ستشعر بإهانته لمنظومة كاملة وضرب عمق إنجازها وكيانها، فيما هو من جانبه لم يقدم شيئا. والنتيجة أن الحرب الكلامية تشتعل بين اتهامها له بالتقصير واتهامه لها بالعصبية والانفعال في التعامل مع الأبناء أو بسوء التربية والتنظيم والتدبير، في حين يرى أن من حقه التدخل.

ما سر الشعور بالمسؤولية فجأة؟

هذا التبدل أو التقاطع في الإحساس بالمسؤولية يأتي، كما تقول مزهر، من إحساس الرجل بالفراغ: لأنه ببساطة لا شيء يشغل به وقته ويمارس فيه سلطته وتحكمه، ويفرغ به طاقته إلا بزوجته وأبنائه، بالانتقاد والتدخل بكل صغيرة وكبيرة.

للإنصاف، قد لا تكون كل انتقادات الرجل خاطئة أو سيئة ومرفوضة، ولكن توقيتها قد يكون كفيلا بتفجير الموقف بالمنزل، خاصة في مثل هذه الأوقات التي يسود المنازل فيها التوتر والقلق بسبب ما يحدث في العالم من مآسٍ، كما ترى مزهر.

الحل هو إعادة هندسة البيئة المنزلية

الحل، بالخبرة الاجتماعية، هو الحوار ووضع الرجل بالصورة كاملة، واعتبار هذا الوقت في المنزل فرصة ليعرف مستوى المجهود الذي تبذله في التربية والتعليم ورعاية البيت والأبناء، ربما يساعدها ويعينها في الأعمال الملقاة على عاتقها.

تلك المسألة تتضمن إعادة هندسة البيئة المنزلية: استثمار الأوقات الطويلة التي كانت تفرقهما عن بعض، وهذا يتطلب ذكاءً من الطرفيْن في خلق أوقات يصبح فيها التواصل إيجابيا، بخلق حوارات عائلية بناءة أو ألعاب ونشاطات عائلية تشاركية كحضور أفلام أو مباريات أو برامج ترفيهية، المهم أن تجتمع العائلة بطريقة بعيدة عن الواجبات والالتزامات والمشاحنات.

وتضيف مزهر: لا داعي للتوتر في تلك الإجازة الإجبارية من أجل الحفاظ على البيت نظيفا، ولا داعي للقلق بشأن وقت وجبة الغداء ووقت الدراسة وغير ذلك؛ فهذا كله أصبح بل ويجب أن يكون تنظيمه مسؤولية الجميع، وليست مسؤولية الزوجة وحدها، والأجدى تركه يتمتع بالقيادة مقابل حصولها على الاسترخاء ليعلم كم تبذل الزوجة من جهد عصبي وجسدي ونفسي إلى أن يصل في المساء ويجد كل شيء وقد أُنجز على ما يُرام.

وتنتهي الأخصائية مزهر إلى ضرورة الاستفادة من هذه الفترة بتعليم الزوج بعض الأمور التي كان يجهلها سواء بالتربية أو التعليم أو حتى ببعض الأعباء المنزلية، مع إشغال وقته، لكونه لم يعتد على الفراغ. فمن دون ذلك فإنه قد يفرغ توتره بالغضب والانتقاد والتدخل بكل التفاصيل، وتقول: “فلتشغله قبل أن يشغلها بتدخلاته”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن