لبنان وانكفاء الحريري.. ما بين الماضي والمستقبل

لبنان وانكفاء الحريري.. ما بين الماضي والمستقبل
كاتي يمين

الكاتب: كاتي يمين

لم يكد يطوي اليوم الأول من الأسبوع الجاري صفحته في الروزنامة اللبنانية، وسط ضبابية الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتأزمة (تصاعديا) على مقياس التعقيدات المتشابكة في البلد، حتى جاءت تداعيات مؤتمر الحريري.

المؤتمر الصحفي، الذي أعلن فيه رئيس مجلس الوزراء السابق الزعيم السني الأول في لبنان سعد الحريري عن اعتزامه تعليق الحياة السياسية، أضفى المزيد من الأجواء الضبابية والملبدة على حاضر اللبنانيين ومستقبلهم.

وكما العادة، وفي جمهورية تتفشّى فوق أرجائها أمراض الانقسامات الأفقية والعامودية المزمنة، تباينت المواقف والآراء والتقديرات في أوساط اللبنانيين، على المستويين الرسمي والشعبي، حول تفسير المغزى والمعنى في طيات مواقف الحريري الأخيرة.

هذا التبايُن الواضح للعيان، وإن كان يندرج وفقاً للأعراف اللبنانية السائدة منذ عشرات السنين في سياق المنطقي جدا، اتخذ في الحالة الحريرية الحالية بُعدين مختلفين، أحدهما عاطفي ويتمثل في أن الدموع التي ذرفها الرئيس المعتزل في نهاية مؤتمره الصحفي لامست وجدان أنصاره في مختلف أنحاء الوطن..

بينما تمثل البُعد الآخر في فتح شهية الأنصار أنفسهم على إجراء مراجعات نقدية ذاتية لـ”السياسات الحريرية” التي أوصلت اللبنانيين إلى حاضرهم المتعثر الراهن.

وما بين البُعدين، ثمة طوابير من الرداحين المحليين الذين احترفوا مهنة الرقص على حافة القبور.

في البُعد الأول، لا يحتاج المتابعون للشأن اللبناني إلى أكثر من جردة عامة للتعليقات المتتالية على مواقع التواصل الاجتماعي، من عامة الناس، حول قرار الاعتزال، لا سيما أن فحوى معظم تلك التعليقات حملت في جوهرها نكهة تعاطفية لم يختلف مذاقها عن طعم الحملات التضامنية التي تم تنظيمها في أواخر الثمانينيات وبدايات التسعينيات من القرن العشرين، أي خلال مرحلة ما قبل ظهور عصر مواقع التواصل الاجتماعي.

يأتي هذا عندما أعربت غالبية فئات الشعب اللبناني عن تضامنها الكامل، سواء مع الجنرال ميشال عون (قُبيل ترحيله من قصر بعبدا -عبر السفارة الفرنسية في بيروت- إلى الـ”هوت ميزون” قرب باريس) أو مع الدكتور سمير جعجع (لدى اعتقاله وسجنه في مقر وزارة الدفاع في اليرزة) أثناء زمن تسيُّد “الوصاية السورية” على لبنان.

أما في البُعد الثاني، وهنا الأهم، فإن المراجعات النقدية لـ”السياسات الحريرية” في لبنان باتت تخرج إلى العلن، حتى في أوساط “التيار الأزرق” نفسه، وهي مراجعات تشي بأنها عازمة على تحويل إبرة بوصلة “الحريرية السياسية” صوب الاتجاه الصحيح.

ولربما ليس من باب المبالغة القول إن رئيس “تيار المستقبل” نفسه، مصطفى علوش، أعلن في إطلالة تلفزيونية، الإثنين الفائت، أن الحريرية السياسية ارتكبت أخطاءً جسيمةً من خلال تحالفاتها مع قوى سياسية داخلية في لبنان، منذ تسعينيات القرن العشرين ولغاية يومنا الراهن.

ومما قاله علوش في إطلالته التلفزيونية على (إم تي في) إنه نصح الرئيس (الشهيد) رفيق الحريري، ونصح خلَفه سعد الحريري، بعدم الرهان على “حزب الله”.

وأكثر من ذلك، أعرب علوش عن اعتقاده بأن انسحاب “تيار المستقبل” من معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة في لبنان يمكن أن يؤسس لبناء قاعدة جماهيرية جديدة قوامها تيارات المجتمع المدني التي يُفترض أن تكون لها اليد الطولى في إحداث التغييرات المرجوة في البلد.

ولكن أي تغييرات؟

سؤالٌ، قد تقتضي أصول الأمانة المهنية الإجابة عنه بسطرين منفصلين:

الأول أن مساحة الـ10452 كيلومترا مربعا في خريطة العالم لا تحتاج إلى أكثر من رئيس بلدية كي يدير شؤونها في مجال توفير أبسط مقومات العيش الكريم لسكّانها.

والثاني أن مكونات الطبقات السياسية التقليدية والمعروفة في البلد عجزت عن توفير مرشّح لرئاسة ”بلدية“ من شأنها أن توفّر أبسط مقومات العيش الكريم للّبنانيين.

وهذه معضلة حقيقية توفّر للردّاحين، محليا وإقليميا ودوليا، فرصة كي يفعلوا فعلتهم بما تبقى من رمزية لبنان، ومن دوره، داخليا وخارجيا، والحبل على الجرار!

resized كاتي يمين 1

resized كاتي يمين 2

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن