ما الذي يحرك أبو مازن تحت سيف “صفقة القرن” ؟

ترامب و عباس ونتنياهو

تعتبر خطة تسوية دونالد ترمب، المعروفة بـ “صفقة القرن”، من بين أكثر المواضيع تداولا في رام الله، وغزة، والعالم العربي، ودولة الاحتلال. كما يتناولها الاعلام العالمي على نطاق واسع. وقد بدأ البيت الأبيض بإصدار تلميحاته، وتصريحاته، حول الصفقة منذ العام الماضي.

كما حشد الى جانبه بعض دول المنطقة، كي يضمن أن تتشكل صفقته، وتلقى قبولا، وتنفيذا. وقد وصف ترمب خطته بانها “صفقة القرن”، واضعا الفلسطينيين في الزاوية عبر قوله، “انه اقتراح لا يمكن رفضه”.

وإلى أن يوافق الطرفان على الصيغة النهائية، او لا يوافقان عليها، كلاهما، او أحدهما على الاغلب، لا يبدو ان أحدا جاهز لتنفيذها، سوى رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو. غير ان نتنياهو يخضع وبشكل عميق لاستجوابات الشرطة، هو وعائلته. ورغم انه يحاول ان يبدو الامر وكان رئيس الوزراء يدير اعماله كالمعتاد، الا ان من الواضح ان عمل المحققين يعطل جدول أعماله، ويتسبب بمضايقته. ومن غير المرجح أن يكون نتنياهو قادرا على قيادة إسرائيل نحو خطوة تاريخية كهذه، حتى وإن كان راغبا بذلك، بينما هو تحت التحقيق الجنائي.

كما بدأ الحديث، خلال الأشهر الماضية، عن الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني. فضلا عن ذلك، شوهد الرئيس عباس، بعد يوم واحد من خطابه الأخير امام مجلس الامن الدولي، في مستشفى جونز هوبكنز، في ميريلاند، حيث أُبلغ انه تلقى علاجا من السرطان.
ويضيف الكاتب، لا بد وان أبو مازن يعاني من مرض ما اضطره للحضور الى ميريلاند، لأنه لو كان يعاني من شيء عادي، لأمكنه عمل تلك الفحوصات الروتينية، في رام الله، او حتى في عمان، بدلا من الحضور الى ميريلاند.

ويبدو ان الجو العام حول أبو مازن عبارة عن دوامة: فهو يبدو وكأن المنطق والحس السليم قد توقفا عن توجيه سلوكه، ربما بسبب المرض، وفق الكاتب. كما ان الاتجاه العام لحركة حماس من حوله يشير الى انها تتجه نحو تصعيد بطيء وثابت ضده. فضلا عن ان الاتصالات بين السلطة الفلسطينية والبيت الأبيض متوقفة حاليا، ردا على اعلان ترمب بخصوص القدس.

ويمكن القول ان الكشف عن السجل الطبي للرئيس الفلسطيني غير ضروري للتأشير على حالته. فأي شخص يدقق في المنظر العام لأبو مازن اليوم، ويقارن ذلك بهيئته قبل عام، يدرك الفرق على الفور. فاليوم، يبدو مظهر أبو مازن ضعيفا، وصوته منخفضا، ووجهه شاحبا بعض الشيء، عما كان عليه. ويبلغ أبو مازن من العمر (83) عاما. وهو يدخن بشكل كثيف، وقضى معظم حياته يدخن علبتين من “المارلبورو” في اليوم. وبالتالي، ما من شك في أن شيئا ما يحدث في جسمه.

وبخصوص إمكانية الولوج في عملية سلام، او عدم الولوج، يشير الواقع الى ان الزعيمين يقعان في حالة من استحالة التلاقي في مبادرة ما، حتى ولو لم يعلن عن ذلك رسميا. فكل منهما لديه مشاكله الخاصة، فالشرطة تحقق مع نتنياهو، والأطباء يفحصون عباس. إذا، فالواقع الشخصي لكل منهما يجله ضعيفا، وقلقا حيال اموره الخاصة، قبل الأمور الاخرى.

وتحت أي نوع من الحديث او النقاش، فان نتنياهو مستعد لمداولات كبيرة، وأحاديث ونقاشات دون نهاية. الا انه غير مستعد لأية عملية حقيقية مع الفلسطينيين، الا عملية محدودة صغيرة ليس الا.

فهو يملك محددات وشروطا لا يريد تغييرها، ولا يمكنه تغييرها اصلا. فبالنسبة له، ستبقى القدس جميعها بيد إسرائيل، بالإضافة الى الكتل الاستيطانية الثلاث الكبيرة: مستوطنة أرييل، ومستوطنة معاليه أدوميم، ومنطقة وادي الأردن.
بينما يملك اوفي ذات الوقت، يمتلك الفلسطينيون شروطهم ومحدداتهم الخاصة أيضا. فهم يريدون دولتين لشعبين. دولة على حدود العام 1967، مع تعديلات طفيفة على الحدود، مما يعني انها ستنشأ على مساحة (22%) من فلسطين، وهو يعتبر حلا توفيقيا طال انتظاره بالنسبة لهم.

شكرا إيران

قد يوجِد القَدَر في بعض الأحيان دولة تخدم أعداءها. ليس طوعا بطبيعة الحال، بل بشكل غير مقصود. وفي هذا السياق، تدين إسرائيل لإيران بجزيل الشكر، لإنقاذها بشار الأسد. كما يوجد لدى حسن نصر الله أيضا العديد من الخدمات التي قدمها في هذا السياق، والتي يجب شكره عليها. وهاتين القوتين (أي إيران وحزب الله)، إلى جانب روسيا، كانتا اللاعبين الرئيسيين في الائتلاف الذي حافظ على النظام السوري من الانهيار.

وللحقيقة، كان هناك في إسرائيل من لديه حلم بان يتم تعليق الرئيس السوري، بشار الأسد، مشنوقا على سارية قصره في دمشق. غير انه تبين الان انهم كانوا على خطأ. لان مجرد سقوط نظام حزب البعث، كان من شأنه أن يتسبب بحالة فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها في العراق، مما يمكن ان يشكل بالتالي تهديدا خطيرا على الامن القومي لإسرائيل. ويمكّن الوضع القائم دولا، مثل إيران وسوريا، من استخدام مجموعة متنوعة من أوراق الضغط التي تمتلكها في المنطقة، وخصوصا ان ادارتهما تتم بطريقة تشبه الروح التي تتم بها ادارة تنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة”.

وفي قضية مشابهة، خدمت إسرائيل حماس، وعملت إسرائيل كأنها احدى وكالات الأمم المتحدة، حيال الأوضاع المعيشية للسكان في قطاع غزة، وفق الكاتب. رغم ان دولة الاحتلال اعفت نفسها من المسؤولية بالقول انها ليست سبب المشكلة. كما نأت إسرائيل بنفسها عن التدخل في النزاع بين حماس والسلطة الفلسطينية، حول تزويد الكهرباء الى غزة. فرفضت اسرائيل تمويل أي جزء من خدمة الكهرباء الى غزة، لئلا تنشأ كسابقة تتبعها مطالبات متجددة.

وأظهرت بيانات من مصادر متنوعة، ان إسرائيل عملت على ذلك بينما كان الوضع في قطاع غزة آخذ في التدهور. فقد كان هناك نقص حاد في الادوية، وفي المستشفيات، والعيادات، والصيدليات. وقد أدى نقص الوقود إلى انتاج وضع أكثر خطورة، وهو توقف تغذية الكهرباء الى المستشفيات. وكانت المياه غير نقية، او غير متوفرة في بعض المناطق، منذ زمن. وانتشرت إصابة الأطفال بالفيروسات، وكثر الجياع في الشوارع، وفق الكاتب.

وتكلل ذلك بإعلان أبو مازن، في شهر حزيران 2017، عن قطع ثلث الأموال التي كان يدفعها الى إسرائيل مقابل تزويد غزة بالكهرباء. بمعنى انه قطع مبلغ (15) مليون شيكل، من أصل (45) مليون شيكل كان يدفعها لكهرباء غزة كل شهر. وقد أدى ذلك الى خفض عدد ساعات تزويد الكهرباء في غزة الى مدة بلغ أقصاها (5) ساعات يوميا.

غير ان أبو مازن أعاد المبلغ المقطوع عن تزويد الكهرباء الى ما كان عليه، في مطلع شهر كانون الثاني 2018، بعد خطوة ترمب التي أعلن فيها القدس عاصمة لإسرائيل. فقد خاف الجميع من التصعيد اللامحدود، وخصوصا عندما زحف الآلاف من سكان غزة الى الحدود، واقتحموا السياج الحدودي.

في قلب غزة

ويضيف الكاتب، ان هناك الالاف من المهندسين، وخريجي الكليات والاختصاصات الجامعية المختلفة، ممن يبيعون القهوة والشاي في الشوارع، مقابل شيكلين. وقبل فترة، توقف أبو مازن عن دفع الرواتب إلى نحو (50) ألف موظف في الوزارات، والهيئات الحكومية.
وإذا افترضنا ان معدل الراتب لكل شخص هو (1000) شيكل شهريا، فهذا يعني ان أبو مازن قطع الدعم ومصدر الدخل عن (50) ألف عائلة، ممن لا تملك دخلا او مالا من أي مصدر اخر. وكل ذلك في سعي منه لتسوية الحسابات مع حماس. دون الاهتمام بالسكان هناك، بينما يعرف ان نسبة البطالة هناك تصل الى (50%)، وفق الكاتب.

(ترجمة: ناصر العيسة، عن: معاريف)

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن