محكمة العدل العليا الفلسطينية تتذكر الشرعية

عبدالستار قاسم

الكاتب / عبد الستار قاسم

أصدرت محكمة العدل العليا الفلسطينية بتاريخ 8/أيلول/2016 قرارا بتأجيل الانتخابات المحلية التي كان مقررا إجراؤها في الضفة الغربية وغزة في 8/ تشرين أول/2016 بناء على التماس تقدم بع محامون فلسطينيون. وقد بررت المحكمة قرارها بأن مدينة القدس ليست مشمولة في الانتخابات، وأن المشرفين على الانتخابات في قطاع غزة لا يحظون بالشرعية. والجميل في الموضوع أن محكمة العدل العليا الفلسطينية أخيرا انتبهت أن هناك شرعية في المجتمعات والدول، وأن احترام الشرعية أمر جوهري إذا كان لأي مجتمع أن يشق طريقه بنجاح نحو المستقبل. لم نشهد موقفا قانونيا لهذه المحكمة عبر السنوات على الرغم من أنه لا يوجد لأحد شرعية على المستوى السياسي، وأن الساحة الفلسطينية خالية تماما من ممثلين سياسيين شرعيين. وسبق لي أن تحدثت حول الشرعية بخاصة فيما يتعلق برئيس السلطة الفلسطينية فقامت السلطة الفلسطينية باعتقالي وبقيت محكمة العدل العليا خرساء.

بررت محكمة العدل العليا بأن قرارها يستند إلى عدم شمل القدس في الانتخابات، لكن هذا الطعن بشرعية الانتخابات لم يحصل في انتخابات سابقة. القدس لم تكن مشمولة في الانتخابات السابقة لا التشريعية ولا الرئاسية، فلماذا الآن؟ هذه الازدواجية تعطي الانطباع بأن قرار المحكمة مسيس وليس قرارا قضائيا يهدف إلى تحسين الوضع القانوني للنشاطات الفلسطينية. وبررت أيضا القرار على أن المشرفين في قطاع غزة على الانتخابات غير شرعيين، وقراراتهم لا تمثل إطارا شرعيا على الساحة الفلسطينية. هذا صحيح، لكن الضفة الغربية تعاني من غياب الشرعية أيضا. عباس ليس شرعيا ولا رئيس وزرائه ولا المجلس التشريعي الذي لا ينعقد، وكل قراتهم غير شرعية بما فيها القرار بإجراء الانتخابات. ما ينطبق على غزة من غياب للشرعية ينطبق أيضا على الضفة الغربية، فلماذا يوجه الإصبع نحو غزة فقط؟

عام 1972 قبل الفلسطينيون وعلى رأسهم منظمة التحرير الفلسطينية إجراء انتخابات بلدية من قبل الاحتلال الصهيوني. قرر الاحتلال إجراء انتخابات، وضغط على العديد من الشخصيات البارزة في الأرض المحتلة/67 بخاصة من أصحاب رؤوس الأموال للقبول بانتخابات في ظل الاحتلال. ونحن قبلنا ذلك على الرغم مما يشكله القبول اعترافا بشرعية الاحتلال الصهيوني. وتكررت الانتخابات عام 1976 بموافقة منظمة التحرير وبترشيحها غير المعلن لعدد من الشخصيات بخاصة في المدن الفلسطينية في الضفة والقطاع، وقبلنا أيضا قيام الاحتلال بإجراء انتخابات للغرف التجارية عام 1992. كانت تتم هذه الانتخابات بترتيب من الاحتلال وبإشرافه على إجرائها وفرز الأصوات وإعلان النتائج. . لقد قبلنا باحتلال يشرع لنا، لكننا لا نقبل بترتيب انتخابات من قبل حماس. هذا يشكل قمة الانهيار الوطني الفلسطيني.

لقد أخطأ الفلسطينيون عندما قبلوا بانتخابات في ظل الاحتلال وتحت إشرافه، وبعد كل هذه السنوات الطوال تورط الشعب بعملية انتخابية تحسن صورة الاحتلال وأصبحت الانتخابات الوسيلة المقبولة لإقامة الشرعية في الأرض المحتلة/67.

هل قرار محكمة العدل العليا ملزم؟ من تجربتي هو غير ملزم ويمكن أن يتم اعتقال من يلتزم.

عام 2011 انتقدت رئيبس جامعة النجاح الوطنية الدكتور رامي الحمد الله لأنه لم ينفذ قرار محكمة العدل العليا الذي قضى بإعادة طلاب كانوا قد فصلوا من الجامعة إلى مقاعد الدراسة.

رفض الدكتور رامي تنفيذ القرار، فقمت أنا بكتابة مقال فحواه أنه إذا كان رئيس جامعة لا يحترم قرار محمكة العدل العليا، فماذا نتوقع من غير رؤساء الجامعات؟ وبسبب هذا المقال قامت السلطة الفلسطينية باعتقالي على اعتبار أنني أثير فتنة.

وما دامت المطالبة بتنفيذ قرارات محكمة العدل العليا تؤدي إلى الاعتقال فإنه من المفروض أن تمتنع السلطة في رام الله عن تنفيذ القرار وتجري الانتخابات في موعدها المحدد. لكن هذا لن يحصل لأن القرار القضائي مسيس وهو متعلق بالخصومات السياسية على الساحة الفلسطينية ولا علاقة له بالغيرة على القدس وغزة.

المشكلة أن مؤيدي السلطة ممزقون وليس من المتوقع أن يكسبوا الانتخابات المحلية، وعلاقاتهم الداخلية متوترة ويسودها الكثير من الخصام والتشرذم. من المتوقع أن تفوز كتل انتخابية غير موالية لسلطة رام ومدعومة من قبل حركة حماس.

من المتوقع أن تؤثر نتائج الانتخابات على وضع السلطة الفلسطينية وتعريها أمام العالم، وكان من المتوقع أن يتم البحث عن وسيلة لتأجيل الانتخابات، وهذا هو القضاء الفلسطيني الذي اعتدنا عليه ليكون العربة التي تسيرها السلطة التنفيذية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن