من أنقرة إلى طهران.. لماذا تسعى أبو ظبي لتصفير المشاكل مع جيرانها؟

من أنقرة إلى طهران.. لماذا تسعى أبو ظبي لتصفير المشاكل مع جيرانها؟
من أنقرة إلى طهران.. لماذا تسعى أبو ظبي لتصفير المشاكل مع جيرانها؟

لماذا اتجهت الإمارات إلى تبني سياسة «صفر مشاكل» بعد نحو عقد من انخراطها في «حروب إقليمية» بشكل مباشر أو غير مباشر؟ وما هي انعكاسات هذا التوجه الجديد على موازنة علاقاتها الدولية؟ المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) بحث في إجابة السؤالين مستندا إلى آراء باحثيه الخبراء في سياسات الشرق الأوسط والخليج العربي.

وأورد المعهد تقريرا، عبر موقعه الرسمي، ذكر أن سعي الإمارات الحثيث لتصفير مشكلاتها مع منافسين تقليديين (خاصة تركيا وإيران) لا يعبر عن تغيير طرأ على سياستها الراغبة في كرسي الزعامة الإقليمية، بل عن «قلق أمني» يعززه خفوت تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في صراعات المنطقة لصالح قضاياها الداخلية وصراعها مع الصين.

وفي هذا الإطار يقرأ الباحث روي يلينك، الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بار إيلان الإسرائيلية، توقيت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الأخيرة للإمارات ومباحثاته مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

ويربط يلينك بين هذه المباحثات وبين محادثات فيينا بين إيران والقوى العظمى حول الاتفاق النووي، إلى جانب المخاوف الإسرائيلية من التقارب الإماراتي مع إيران، مشيرا إلى أن بينيت أراد تعزيز الروابط الإسرائيلية الإماراتية، وإظهار هذا التقارب أمام المجتمع الدولي، وتقديم نفسه كمساهم مهم في العلاقة بين الإمارات وإسرائيل.

• منتدى دولي: ماذا وراء الأجواء التصالحية بين دول الخليج؟

لكن زميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة إيموري في أتلانتا كورتني فرير تشير إلى أن مواصلة الإمارات تعميق علاقاتها مع إسرائيل مرشح لإثارة توتر يؤثر على علاقة الشراكة الاستراتيجية التي تجمعها مع السعودية.

فرغم اتفاق الرياض وأبوظبي على مواقف استراتيجية، مثل مناهضة حركات الإسلام السياسي، والسعي نحو تنويع الاقتصاد بعيدا عن أحادية إيرادات النفط، إلا أن التقارب الإماراتي الإسرائيلي قد يفضي إلى تباعد كبير بين أبوظبي والرياض، حسبما ترى كورتني.

ونوهت الباحثة، في هذا الصدد، إلى تقرير نشره موقع (أكسيوس) الأمريكي، الشهر الماضي، حول جهود سعودية للضغط على الإمارات في سبيل التخلي عن صفقة الطاقة والمياه الضخمة التي وقعتها مؤخرًا مع الأردن وإسرائيل، والعمل بدلاً من ذلك مع المملكة.

وتشير كورتني إلى أن الإمارات، بتوقيعها هذه الصفقة ومنحها الأولوية لتعزيز العلاقات مع إسرائيل، ضمن خططها لأن تصبح قوة إقليمية أكبر، تحفز التوتر مع الرياض.

من زاوية أخرى، تسلط الخبيرة في شؤون اليمن ودول الخليج إليونورا أرديماجني الضوء على البعد الاقتصادي للتقارب الإماراتي الأخير مع قطر.

وترى أرديماجني أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات الآن مدفوعة في المقام الأول بالاقتصاد، مستشهدة بمعرض إكسبو دبي الأخير، الذي حاولت من خلاله الدولة الخليجية إعادة رسم صورتها كأرض للحوار بين الثقافات المختلفة والتواصل الموجه للأعمال.

وأشارت إلى أن الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية الأردنية بشأن مشروع الطاقة المتجددة والصفقات الكبرى مع فرنسا (بما في استيراد طائرات رافال المقاتلة) تم التوقيع عليها في إكسبو دبي.

• الامارات تعيد العلاقات الديبلوماسية مع سوريا وتعيد فتح سفارتها بدمشق

وعلى مستوى التقارب مع النظام السوري، يرى الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بوكالة أبحاث الدفاع السويدية آرون لوند أن هناك قناعة لدى الإماراتيين حول إمكانية استقطاب رئيس النظام بشار الأسد بعيدًا عن إيران، ولو بشكل جزئي، في مواجهة تركيا. وفي إطار إعادة التوازن الإقليمي وضبط الأمور وإيجاد أرضية مشتركة تخدم نهج صفر مشاكل الجديد يرى الإماراتيون أنه إذا لم يرحل الأسد، فمن الأفضل لهم العمل معه بحسب لوند.

ورغم أن العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين منقطعة على مستوى السفراء منذ 10 سنوات تقريبًا، بعد أن سحبت دول مجلس التعاون الخليجي سفراءها من دمشق في فبراير/شباط 2012 احتجاجًا على مجازر النظام ضد الشعب السوري، إلا أن شقيقة الأسد ظلت تتمتع بحرية التنقل داخل وخارج أبوظبي طوال تلك الفترة، ما يعني أن الإمارات لديها من الأوراق ما يمكنها من تحقيق أهدف نهجها الجديد تجاه دمشق.

العلاقة الإماراتية مع تركيا تبدو منسجمة مع البوصلة ذاتها، خاصة بعد اجتماع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بين ولي عهد أبوظبي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، وذلك للمرة الأولى منذ نحو عقد، ما شكل نقطة تحول في العلاقات الثنائية، بعد خلاف طويل بين بلدين على طرفي نقيض من أزمات إقليمية كبرى.

• قرقاش: “الإمارات” شريك أساسي لـ “تركيا” في المنطقة

وترى فاليريا تالبوت، رئيسة قسم الشرق الأوسط في (ISPI) أن المصالح الاقتصادية المتبادلة كانت هي المحرك الرئيسي لهذا التقارب، فبينما تراهن أبوظبي بشكل متزايد على الدبلوماسية الاقتصادية لتعزيز التعافي بعد الوباء، تبحث أنقرة عن استثمارات وشركاء اقتصاديين جدد في وقت حرج لاقتصادها وعملتها الهشة.

وفي هذا الإطار، وقع البلدان على تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار خصصته الإمارات للاستثمارات الاستراتيجية في تركيا، فيما تقتربان من عقد اتفاقية مبادلة بين البنوك المركزية لبناء احتياطيات تركية، ودعم الليرة.

تبدو الإمارات وتركيا متفقتان على ضرورة تقليص حجم المنافسة الإقليمية بينهما، وهو ما تؤكده الزيارة الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى الإمارات.

ولا يقتصر نهج الإمارات الجديد على علاقاتها الإقليمية، بل يتعداه إلى مجمل علاقاتها الدولية، لا سيما تلك التي تربطها بالصين وفرنسا والولايات المتحدة.

• وول ستريت جورنال: الولايات المتحدة أوقفت بناء الصين قاعدة سرية في الإمارات

فقد بذلت الإمارات جهودًا حثيثة، خلال السنوات القليلة الماضية، لتطوير العلاقات مع الصين، في مجموعة واسعة من قطاعات الطاقة والتجارة والتقنيات الجديدة والصحة والأمن، في إطار سعيها لتنويع علاقاتها بعيدًا عن شركائها الغربيين التقليديين، مستغلة تحول مركز الثقل الاقتصادي العالمي بشكل متزايد إلى آسيا.

وكان من الطبيعي أن تثير هذه الشراكة سريعة التطور مخاوف في الولايات المتحدة، ولذا بدأت واشنطن في وضع ضغوط متزايدة على أبوظبي بشأن تعاونها مع شركة هواوي الصينية لتأسيس شبكات اتصالات الجيل الخامس، حسبما ترى الباحثة المشاركة بمكتب المعهد الإيطالي للشرق الأوسط كاميل لونز.

وفي حين أن العلاقة مع الولايات المتحدة لا تزال حاسمة في بوصلة الإمارات، إلا أنها تريد أن تبدو بمظهر من يرفض الاضطرار إلى الاختيار بتوسيع علاقاتها مع الصين، وهو ما يعكسه تهديدها الأخير بالانسحاب من صفقة استيراد مقاتلات F-35 الأمريكية.

• لماذا تعثرت صفقة طائرات “إف-35” بين الإمارات والولايات المتحدة؟

وفي سياق مواز، يقرأ الباحث بمعهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية جان لوب سمعان صفقة البيع القياسي لـ80 طائرة مقاتلة من طراز رافال إلى الإمارات، واصفا إياها بأنها تأتي بمثابة تذكير بالنفوذ الفرنسي الدائم في أبوظبي.

وأوضح سمعان أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبني على إرث أسلافه الذين طوروا العلاقات مع الإمارات لعدة عقود من خلال مبيعات الأسلحة، فباريس هي المورد الثاني للأسلحة إلى أبوظبي، وتربطها بها اتفاقيات دفاع، بلغت حد افتتاح قاعدة عسكرية فرنسية عام 2008. كما يشترك كلا البلدين أيضًا في وجهات نظر إقليمية متشابهة حول مصر وليبيا والأزمة النووية الإيرانية.

وتعكس صفقة الرافال الأخيرة إحباطا مشتركا للإمارات وفرنسا تجاه الولايات المتحدة، إذ صدمت فرنسا بصفقة «أوكوس» التي استبدلت بها أستراليا غواصات فرنسية بأخرى أمريكية في اتفاقية دفاعية جديدة، في حين يظهر الفشل الإماراتي جليًا في إنهاء المفاوضات مع أمريكا بشأن بيع F-35، رغم ما قدمته أبوظبي من إسهامات في تعزيز نفوذ إسرائيل إقليميا. (الخليج الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن