مهاترات وطن: عري المتضامنين امام عارنا

نادية حرحش

تأخذ الأحداث حالة من الجمود ثم تقفز قفزات متسارعة من كل الاتجاهات . هكذا هو الحال في اخبار الوطن . فبعد حالة من الخمول اصابتنا بعد سلسلة المراسلات المتسربة بين طلب قسط مدرسة ومنحة دراسية ، وبين الحي الدبوماسي الذي يواجه الهجمة الاستيطانية وتكاليف سفر ما وقع علينا من وثائق تقول ان ما خفي اعظم بكثير . وان الحال لن يتغير . فلم تكلف نفسها الحكومة حتى بتكذيب التسريبات وسارع المتهمون (المطالبون بالمكرمة الرئاسية) بالدفاع عن مواقفهم باستحقاقهم لهكذا مطالبات لانهم غير فاسدون. وطبعا ناهيك عن القول الاحداث الكبيرة من اقالات وفضائح قيادية وصل فيها التهكم فينا لمحاولة تغيير القوانين استنادا على تهميشنا كشعب وكعقول .

فلم يكن من الغريب بعد مرور هكذا تسريبات مرور الكرام بان تخرج مراسلات اكثر مرارة بما نمضغه نحن الشعب من علقم هذا الحال ان نعرف بأن الرئيس هو من يوافق ايضا على مصاريف التلفزيون الحكومي شخصيا ، وخبيرة المكياج صاحبة الاثني عشر دولارا بالشهر قد تكون كذلك من ابسط ما يخبؤه الوضع المستور .

وبينما ننغمس انغماس الجائع في صحن الفول في فضائح الوطن بين جرائم متصاعدة وعمليات سطو وفساد نلنا في مكافحته جائزة الابداع . بربكم ، من الذي منح هكذا جائزة ؟ هل يوجد بالعالم افسد من حالنا ؟ فلقد ابدعنا وبلا شك بالفساد .فنحن شعب ابدع بالفساد بينما لا يزال في عملية تحرر. فتطلق اسرائيل يدها الباطشة على الشعب ، فتعتقل اسيرا محررا من جديد ، وتنقلب الاية فيغطي تلفزيون الاحتلال مشاهد قمع السلطة لشباب مخيم جنين بعد ان كان الاحتلال يطوق المخيم في الاسبوع الماضي .

فمخيم جنين يحضر لمهرجان لنصرة الاقصى وتحتفل جامعة النجاح بحفل غنائي كبير ، فتقمع السلطة ابناء المخيم الذين اخبرنا فيما بعد التلفزيون الاسرائيلي بانهم من ابناء الجهاد الاسلامي . فنعم .. حربنا اليوم هي حرب الاحزاب لا حرب الوطن . تخرج رام الله في مسيرة حاشدة لاعلان الولاء والمبايعة لمجلس بلدي لا بفهم لما وماذا ، لا نرى مسيرة بعشرة تتوجه الى القدس.

لم نعد حتى بمكان نحاول فيه السؤال عما يحدث بطريقة منطقية . فلما تقمع الاجهزة الامنية ابناء الشعب من مخيم جنين البطل من عقد احتفاء نصرة للاقصى ؟ ولما يتم السطو على مدير بنك يحمل بسيارته هذه المبالغ الطائلة من الاموال . فعملية السطو مأساوية ،ولكن الاكثر مأساوية هو حمله لهذه المبالغ بسيارته . كما قمع التظاهرة . اكانت الخشية ان تتحول هذه التظاهرة الى مسيرة حقيقية نحو الاقصى ؟ ام ان الموضوع موضع فصائل فقط.

فلا انكف انظر في هذه الاخبار حتى ارى شجب وادانة الفصيل للفصيل اكبر واعمق واكثر جدية ووعيدا من تلك المنددة للاحتلال.

وتخرج في نهاية المطاف وسط الصمت المخزي والحراك المشلول لما يجري بالقدس صورا لمتضامنين عراة امام الجدار. وتوقفت كثيرا هناك . فالاجسام العارية لم تكن بقبح ردود افعالنا . وللحق لم اعد اعرف او افهم . هل اثارنا عريهم فشجبناه ؟ ام فضحنا فأدنناه ؟

قبل الهجوم او التصفيق لهذه اللوحة من التضامن ، فكرت بما كان قصدهم . ولاني لم اعد افهم ما يجري واين نحن ، استغربت من وقوفهم امام الجدار ، لم اشعر برمزية التعري هناك . فكرت للحظات ان اولئك يتعرون لعرينا ، وتساءلت لما لا يقفوا امام المنارة او المقاطعة ؟ فالعار لم يعد بالجدار . الجدار اصبح من معالم وجودنا وحياتنا . كما الوطن لم يعد هو اصل قضيتنا .

تلك الوقفة العارية من قبل المتضامنين كان يجب ان تؤخذ من قبلنا بشخصنة اكثر من تلك التي رحنا نتسابق في شجبها لما تتنافى فيه من قيمنا . قيمنا … يا لها من كلمة مثيرة للشفقة ، في وضع اصبحنا فيه بلا قيمة . فعري اولئك اكثر قيمة من عرينا في ضياع الاقصى ولم يتحرك احد حتى نحو الحواجز ولم نسمع كلمة تعلو الشجب الهزيل المتردد.

قد استمهننا الفكاهة للتعامل مع حالنا العاري امام المصائب المتوالية علينا . فما الاكثر ازدراء لقضيتنا ؟ مقاومة التفاح التي يروج لها من خلال تلفزيون فلسطين الذي يدفع لخبيرة مكياج اثني عشر الف دولارا شهريا بلا مانع مباشرة من الرئيس ، في نفس الوقت الذي تعلن فيه الحكومة اجتماعها من اجل تقشف اخر في وقت يطلب من الموظفين التشكر والامتنان لاعلان صرف جزء من الراتب؟

فالعري الذي اظهره المتضامنون هو عرينا كشعب لم يجعل امامه الا الجدار وسيلة تخاطب وانتهت افاقه وارتفاع ذلك الاسمنت المصبوب فيه من ايدي قادتنا .

العري فينا عندما يتم قمع المسيرات التي يختلف الفصيل عنا ويكون عداؤنا له هو الاصل لا المحتل ولا الدفاع عن ما تبقى من كرامتنا في مقدساتنا التي تدنس امام اعيننا .

العري عندما يتخاطب قادتنا المنقسمون هاتفيا للتشاور في شأن الاقصى كالغريب العربي في ارجاء الله ، وكأن الوطن فعلا اصبح شرذماتلقطع يتداولها هؤلاء للشعارات وكلام الخطب.

العري عندما تقف النساء مدافعات او مهاجمات امام الاقصى ويختفي الرجال . عندما تختفي القيادة . عندما يختفي الشعب ويظن انه بريء من عار العري هذا .

العار في هذا المشهد الهزيل لاولئك المتضامنون الذين الجمهم الحال وعجزوا عن التعبير فتعروا اما الجدار ظنا منهم جهلا بان هذا هو مصاب الشعب الفلسطيني .

فشكرا لاولئك المتضامنون الذين بعريهم ستروا بعض فضائحنا ، فلو فهموا ،علموا وعرفوا ما نحن فيه من عار لتعروا منا ومن قضيتنا التي لا يزال يرى فيها من قبلهم جدار .

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن