نيران صديقة

انتصرت غزة.. لم تنتصر.. جدل سخيف وعقيم لن يُنتج إلا عودة البعض منا، لظواهر الانقسام البغيض الذي دفعنا دفعاً لنحيا سبع سنوات عجاف، لولا غزة وصمود أهل غزة، ومن خلفها أهلنا في الداخل والضفة والشتات، ما كنا تغلبنا على آثاره الاجتماعية قبل عقد من الزمن في أفضل الأحوال، فلِمَ نعود هكذا عودة حزبية سيئة، خبيثة، مسيئة لكل قطرة دم أزهقت هنا أو هناك؟

نعم فلسطين انتصرت.. وأكرر فلسطين، وليست فقط غزة التي انتصرت، بوصفها جزء لا يتجزأ من فلسطين، كل فلسطين، هي انتصرت كما انتصرت من قبل جنين فلسطين، وبيروت فلسطين.. فلسطين انتصرت، ذلك الشعار الوطني الوحدوي الذي رفعته بكل احترام وتقدير ووطنية، فضائية “الميادين” بخلاف كافة النوافذ الإعلامية الحزبية الأخرى، وكما هو قول أي فلسطيني عاقل يعي أبعاد كلمة الانتصار ومفاهيمها، ووجوب البناء عليه.. نعم، فلسطين انتصرت بصبرها وصمودها.. انتصرت بسواعد وبسالة مقاوميها من كافة الفصائل.. هؤلاء الذين بصقوا في وجوه كل من حاول حرف الإنجاز الوطني وتجييره لإنجاز حزبي، أو التقليل من شأن منجز المقاومة بحد ذاته.. انتصرت عندما التحم نسيجها الشعبي ومن ورائه مقاوموها.. انتصرت حينما أفشلت مخططات العدو وأهداف عدوانه.. انتصرت حين أدركت أن الوحدة هي الخلاص، وهي القوة التي يجب أن نبني عليها استراتيجيتنا الجديدة.. انتصرت لأنها أثبتت جدارتها بالحياة.

فلسطين انتصرت، سياسياً، واجتماعياً، وثقافياً.. حين عرّت وجه المحتل باستهداف جنوده لا أطفاله ونسائه وشيوخه.. انتصرت عندما أدرك نسيجها الاجتماعي والفصائلي أن الكل الوطني في دائرة الاستهداف، بصرف النظر عن لونه أو حزبه أو جنسه.. انتصرت حينما وعى شبابها وشيوخها ونساؤها أن المحتل لا يفهم إلا لغة القوة، إن أردنا أن نفهمه لغة التفاوض.

عيب علينا أن نجلس اليوم بعد كل هذه التضحيات، لنعدد أرقام شهدائنا وجرحانا، لنتباكى عليهم، وعلى قدرهم الذي هو قدرنا، إن لم يكن اليوم، ففي الغد القريب.. علماً أننا أول من جابه وانتقد مقولة: “إن شهداءنا، شهداء الأرقام”. عيب علينا أن ندفن كما النعام رؤوسنا في التراب، لنكذب حقيقة أن المقاومة أثبت للتاريخ للمرة الألف أنها الضامن الوحيد لنيل حريتنا، وأن للحرية ثمنها، الذي ستأخذه حتماً من دمنا.. عيب أن ندفع البعض منا للسقوط عامداً متعمداً في شرك تجيير الانتصار لصالح جهة على حساب أخرى، وكأن قضيتنا، قضية اتجاهات وفصائل وأحزاب، لا قضية تلك البوصلة التي ما فتئت تأخذنا في كل مرة باتجاه القدس، قبلتنا الأولى والأخيرة.. عيب ألا نتعلم من دروسنا، وأخطائنا حتى في لحظات الانتصار وفعله.. عيب ألا نبني على ما تحقق من انتصار معنوي، كنا وسنبقى بأمس الحاجة إليه طالما بقى الاحتلال جاثماً على صدورنا.

أرحموا شعبنا واتركوه يفرح ويحزن.. يصرخ ويرقص.. اتركوه يلملم جراحه التي لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد أو حقود.. اتركوه يمارس طقوسه الإنسانية الطبيعية، وهو المنتصر دون أن يصاب مرتين، مرة بنيران العدو الغاشم، وأخرى بنيران صديقة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن