هل هناك عقوبة أنجع من الإعدام

هل هناك عقوبة أنجع من الإعدام

بقلم: دانا الديك
عبر عصور خلت شرعت بعض الدول عقوبة الإعدام كعقوبة لجريمة الخيانة العظمى، ظنّاً منها أنّ تلك الفئة الخائنة للوطن، ستكون حياتها ضارّة أكثر منها نفعاً، ولأنّها دول تخشى المواجهة، نصّبت نفسها ملاك الموت كأنّها تمتلك الحق في إنهاء الحياة، وقننّت عقوبة الإعدام، كأسرع وأنجع حل لجريمة الخيانة العظمى.

قد غفلت تلك الدول عقوبات أخرى قد تفي بالغرض دون أن تحرم هؤلاء الحق في الحياة، تلك الحق الذي لا يمتلك منحه أو سلبه سوى الله، تلك الحق الذي كفلته الكتب السماوية الثلاث ولم تبيحه إلا كخيار للقصاص، بأي حق يسلب؟
لو كان الإعدام يفي بالغرض، لما كانت نسبة الخيانة في ازدياد رغم وجود تلك العقوبة. إننّي أرى أنّ التعقيدات في إجراءات إصدار حكم الإعدام، سلبية تجعل من أصحاب الضمائر الباردة يسلكون طريق الخيانة العظمى، غير مكترثين بعقوبة الإعدام لتعقيدات إجراءات إصدار حكمها.

قد يتساءل البعض عن عقوبة أردع من الموت لتلك الفئة الخائنة للوطن، هنا يقف الكل حائراً بين الإنسانية والوطنية، حتى يرسو على إحدى الضفتين، مغامراً بالتضحية بالتخلّي إما عن الوطنية أو عن الإنسانية، حيث يرى البعض أن لا يعاقب الخائن للوطن بالإعدام من باب الإنسانية، مستصغراً للوطنية، وقد يرى البعض نجاعة عقوبة الإعدام لتلك الفئة الخائنة للوطن مرجّحاً كفّة الوطنية على كفّة الإنسانية.

وبعيداً عن تلك الخياريين، قلّة من يفكّر بعقوبة تشكل جسر بين الوطنية والإنسانية، حيث لا ننتهك حق شرعه الله، ولا نستصغر قيمة الوطن. وإننّي أرى لو ثبتت خيانة أحدهم للوطن أن تكون عقوبته أن يجرّد من هويته الوطنية وجواز سفره الوطني، ومن شهادة ميلاده، دون نفيه خارج الوطن، بل على العكس منعه من السفر، كلّ هذا فيما لا يتعارض مع حقوق أزواجه وأولاده من باب أنّ العقوبة لا تكون إلا شخصية. حيث يعامل أزواجه وأولاده كأنه موجود إلا أنه هو يُحرم من تلك الحق_حق الهويّة حق الجنسية_. هذا من منطلق أن حق اكتساب الجنسية يأتي من كونك مواطناً وليس إنساناً، والمواطنة تُكتسب إذ لا يُولد المرء بجنسية، ولا يستحق الجنسية من يُسيء للمواطنة ويخون الوطن.

وللتوضيح؛ لنفرض أنّ شخصاً ما ثبتت بموجب محاكمة خيانته للوطن، عندها بدلاً من إعدامه جسداً  إذ على الأغلب تكون لواقعة إعدامه أثراً مؤقتاً، الأمر الذي لا يحقق الغاية من العقوبة، وهي الردع الدائم لعامة الأفراد، نحن نقوم بإعدامه هويتةً ووجوداً حتى يدرك تلك الشخص وغيره قيمة الوطنية طيلة حياتهم، بذلك يكون في حياته ولما يعانيه من جرّاء انعدام الهوية والوجود وما يترتب على ذلك من الحرمان من الحقوق والحريات الوطنية تذكير لمن تسوّل له نفسه ارتكاب مثل تلك الجريمة، حتى أنّني لا أرجح الحبس لتلك الفئة حتى تظلّ صورة أولئك الخائنين تعبير حيّ بقيمة الخسارة التي ألمّت بهم لخيانتهم أمام الناس، وكلّ يوم. ولكن للجهات المختصة اتخاذ الإجراءات المناسبة لمراقبتهم، وعقابهم على أية جريمة أخرى، رغم أنّنا لا نحتاج لمراقبتهم فعدوّنا ليس غبيّاً ليتعامل مع من تم فضحهم بتلك الجريمة.

ولا أرى في ذلك انتهاك لحقوق الإنسان، بل على العكس فأغلب المواثيق تقرّ أنّ الأمن القومي هو أسمى من أي شيء، فأغلب الدساتير تنص على أنّ الدفاع عن الوطن واجب مقدّس، وبالتالي فعدم الدفاع عنه محظور، وهذا يستتبع أن تكون خيانته أعظم المحظورات.

وهذا يجعل من تجريد الخائن لوطنه من هويته الوطنية قانوني وإنساني ورادع إن تمّ تنظيمه وفق ما أوردنا أعلاه. علاوة على أنّنا لا نحرمه من حقوقه الإنسانية كالحق في الحياة أو المأكل أو المشرب أو الحرية الشخصية داخل حدود الدولة.
نبقى عاجزين يشوبنا النقص رغم علمنا على درجاته، فالله دوماً أعلى وأعلم بما يصلح لعباده.

ويأتي هذا المقال ضمن مشروع نحو دستور فلسطيني عادل ينفذه المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطيه وبالتعاون مع مركز القدس للنساء بدعم من صندوق الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن