غزة، تعاني من نقص الضمير

الكاتب:ضياء عبد العزيز

لا أعتقد أن أحداً لم يسمع حتى اليوم عن “قطاع غزة” وما يعيشه من معاناة وأزمات متلاحقة، قطاع غزة يا سادة يعاني منذ سبعِ سنينٍ من معيشةِ الضَّنكِ التي يندى لها جبين كل مسلمٍ وعربي، غزة هي بقعة جغرافية صغيرة مساحتها 360كم2 تقريباً، معظمها مخيمات للاجئين الفلسطينيين، ولو قارناها بغيرها ستكون أصغر من مدينة واحدة في أيٍ من الدول العربية.
هذه البقعة منذ سبعِ سنينٍ تعاني من نقص في الكهرباء والوقود وكافّة المواد الأساسية اللازمة لأدنى مقومات العيش الكريم، كل ذلك بسبب حصارٍ إسرائيليٍ كما يقول البعض، ومناكفات سياسية كما يقول البعض الآخر، ولكن خلاصة الأمر أن لدينا شعبٌ يعاني.
ولكن الشيء الأساسي الذي تعاني منه غزة هو نقصٌ في “الضمير العربي” الذي أصبح غائباً عنها، أو دعوني أقول أننا لم نشاهدهُ من قبلُ حتى يصبحَ غائباً، وهناك ما يقارب من سبعٍ وخمسين دولة عربية وإسلامية حول العالم تضم في جنباتها ما يزيد عن مليار ونصف المليار مسلم، ولكن هذه البقعة ما زالت تعاني من نقص الضمير، أنا هنا لا أتحدث عن شعوب، ولكنني أتحدث عن حكامٍ ورئاسات، لأنني أعلم يقيناً أن تلك الشعوب مغلوبٌ على أمرها.
ذلك الضمير لم نلاحظ غيابه في ظل تلك الأزمات المذكورة فقط، بل لاحظناه على مدار أكثر من خمسٍ وستون عاماً من الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي يمارس أعماله الإرهابية بحق هذا الشعب، ولم يستدعِ هذا الأمر منهم سوى مزيدٍ من الطاقات الكلامية والإستنكارية الفارغة.
لقد مرّت غزة بعددٍ من الحروب القاسية مع الإحتلال وذلك مقارنة بحجمها وطاقاتها ولكننا لم نسمع سوى مزيدٍ من الصريخ والعويل العربي والإسلامي، وداخلياً بلغت نسبة البطالة فيها ما يزيد عن 31%، وأن 72% تقريباً يتقاضون أجوراً أقل من الحد الأدنى للأجور في فلسطين، والذي يعنيني من هذا الأمر أن غزة تعتبر منطقة فقيرةً على مستوى العالم، وربما تكون من أكثر المناطق فقراً.
ورغم كل ذلك لا زال الفلسطينيون وخاصة أهل غزة يعانون من الرفض الأمني في معظم الدول العربية، لذلك هم ممنوعون من دخول تلك الدول حتى لمجرد زيارة قصيرة، والسبب أنهم فلسطينيون يعيشون في قطاع غزة، فهم يعتبرون مخلوقات غريبة قادمة إليهم من كوكب آخر، وربما يكونون من القوم المغضوب عليهم، ولكن ماذا لو قام أوروبيٌ بزيارة لتلك الدول العربية أو قرر الإقامة فيها ؟، ربما سيكون يومُ فرحٍ وسرور لتلك الدول، ولكن الشخص الذي يرتبط بهم عقائدياً وعرقياً ولغوياً أصبح منبوذاً ومطروداً حسبما تشير إليه بوصلتهم المنحرفة.
غزة عندما يصيبها مصابٌ يستدعي وقوف الإخوة معها لن تجد أحداً، ولكن عندما ضرب إعصار “ساندي” الولايات المتحدة الأمريكية هبّت بعض تلك الدول لإرسال مساعداتها وأموالها، وهذه دولتان من الدول العربية  قد وقَّعتا على شيكات بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي دعماً للولايات المتحدة بعد إعصار “كاترينا”، وإحدى تلك الدول دعمت ثانوية “جوبلين” الأمريكية بمليون دولار لشراء أجهزة حاسوب لطلابها البالغ عددهم 2200!!، ما ذكرته ليس ضرباً من الخيال ولا ابتكارات واتهامات ألقيها جزافاً، ولكن هذا ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست الأمريكية”، وأيضاً ليس ببعيدٍ عن ذلك ما قاله وزير خارجية إحدى الدول العربية للولايات المتحدة الأمريكية ” لدينا مسؤولية تعليم الشعب الأمريكي، ونحن ذهبنا معكم إلى أفغانستان وليبيا، ونحن أكبر سوق لمنتجاتكم”.
مقالي هذا لا يعني أن غزة هي الوحيدة التي وقعت ضحية نقص الضمير العربي والإسلامي، بل هناك الكثير يعاني، هناك العراق وأفغانستان وسوريا والصومال والشيشان وكثير غيرهم، جلّهم ذهبوا ضحية لهذا النقص، وربما يقول البعض أن إهمال الدول لنا بسبب انقسامنا السياسي، ولكنني أنصحهم أن يوجهوا أنظارهم إلى سوريا والصومال، فهناك الإجابة.
برأيي أن تلك الدول قد أصيبت بمرض نقص المناعة في الضمير، وقد ابتُليت بانحراف بوصلتها من الشرق إلى الغرب، وما عادت تميز وتفرق بين الصديق والعدو.
أنا لم أكتب مقالي لحاجة التسول أو الإستعطاف، فقط كل ما أردته هو أن أصارح نفسي قبل أن أصارحكم بحال تلك الدول، التي أبلى الزمان ضميرها وقدمت عدوها على صديقها، فمن ينتظر صحوة تلك الدول فله في فلسطين وغزة نظرة أولى وأخيرة لذلك الإنتظار الذي كان منذ خمسٍ وستون عاماً.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن