رئيس الوزراء محمد اشتية بين الواقع والخيال، بين التمني والحقيقة

نادية حرحش
نادية حرحش

الكاتب: نادية حرحش

“إن الإنسان قد يطلب الحقيقة أحياناً ولكنه لا يستطيع أن يعثر عليها، وهو مضطر إذن أن يخلق بأوهامه حقيقة خاصة به تعينه على حل مشاكل الحياة” ― علي الوردي، خوارق اللاشعور

منذ تسمية الدكتور محمد اشتيه لمنصب رئيس الوزراء، وأنا أراقب الوضع بلا اهتمام، فما الذي سيأتي به غير ما قدمه الدكتور رامي الحمد لله ومن قبل سلام فياض؟ هل رئيس الوزراء أياً كان اسمه له سلطة صناعة قرار او تقديم أي تغيير إيجابي كان او سلبي على حسب هواه او رأيه او ما يقدمه له منصبه من صلاحيات؟

وان كان لعدم اهتمامي سببا اهم، فهو متعلق بموضوع أكثر مبدئية من مقدرة رئيس وزراء على إدارة وتقديم حكومة او تشكيلها على حسب رؤيته، ولكن بشرعية ما يجري من تشكيل حكومات. بكل جدية تفاجأت عندما عرفت ان حكومة الحمدالله المزعم اقالتها او بالأصح التخلص منها هي الحكومة السابعة عشر. بكل جدية أتساءل، كيف يكون هناك سبعة عشر حكومة في دولة او سلطة عمرها بالكاد تعدى العشرين سنة؟ يبدو المشهد وكأن تشكيل الحكومات هو شأن هذا الشعب وسلطته، فلا عجب سباق الشعب بمختلف مستوياته على الوزارات التي يمكن ان تكون متاحة. فبلا سخرية، ان منصب وزير، هو المنصب الأكثر ربحا بعد منصب عضو مجلس التشريعي، وبالطبع يبقى ابدياً ومتوارثاً بالمستحقات، ناهيك عن إعطاء هذا الوزير منصباً استرضائياً كسفير ان كان تمسكه بالمقعد وبالتالي تركه قد يؤثر على المصلحة العليا لهذه الدولة العتيدة، ولا شك ان هذا المنصب مهم، لأنه بكل تأكيد يكلف الشعب غالياً.

ولكن لأن الإيجابية واجبة وعدم الحكم المسبق والسوداوية ليست جيدة، ولأن التشاؤم لا يحل الأزمة، فلا بد من الانتظار على أمل الخير من رئيس الوزراء الجديد.

لا اعرف كم تبدو البدايات مشرقة بالحقيقة عند تأمل صورة رئيس الوزراء القادم وبجانبه شعارات ست فصائل، ليقول لنا انه ليس حزبي ولا فصائلي وانه يفكر بالكل الفلسطيني، ولم أفهم من اجل الصراحة بالحديث ما الذي يحاول اقناعنا رئيس الحكومة الفتحاوية الجديدة به، فما رأيناه هو ازمة فتحت شهية الاستوزار لدى الفصائل، وما رأيناه أيضاً بالأيام الأخيرة من استقالات كان مضحكاً مبكياً.

قدم رئيس الوزراء لنا خطابا ثوريا، يؤكد لنا به عدم مشيه بخطى سالفه رئيس الوزراء السابق، فأعلن رغبته بالاستقالة من مناصبه السابقة وكان اول اجتماع له في مكان ترؤسه الحالي- بكدار. بداية الدكتور محمد شتيه يمثل على حسب معرفتي البسيطة مراكز حساسة، تكون رئاسة بكدار أحدها، وعضويته في مركزية فتح ثانيها. فهل يتخل بالفعل؟ .. الأيام القادمة سترينا اياه بلا شك. فلا تزال عبارة رامي الحمدلله بالتبرع بمعاشه رنانة، وما رأيناه من تعيينات ومن تمسك اشبه بالهوس بالمناصب المختلفة يؤكد على حقيقة واحدة، لا تتعلق بشخص رجل بحد ذاته، بقدر ما تؤكد عدم الثبات والامن والثقة بالمؤسسة الحاكمة من رأس هرمها.

ثقة محمد شتيه بأنه سيأتينا بما لم يقدمه سالفه بمقولة على الوردي في “منطق ابن خلدون”:

“اننا لا نتوقع تفكيراً مبدعاً من إنسان ينظر في الأمور نظره مطمئنه لا حيرة فيها، إذ هو ينظر في الأمور من ناحية واحده، وهو واثق من صحة ما يرى، فليس لديه مشكلة ذهنية تقلقه.

أما الحائر الذي تضطره الظروف إلى رؤية الأمور من نواح متضادة، فهو قلق لا يدري أية ناحية منها صحيحة. ولابد له من أن يبحث عن حل يعالج به قلقه وارتيابه، وربما أدى به الحل إلى الإتيان بفكرة جديدة لا يعرفها الواثقون المطمئنون”.

ولا اعرف كذلك، لماذا يذكرني كل هذا بما جاء به وزير التعليم الحالي (الذي من المرشح تغييره) والذي يشارك رئيس الوزراء المعين عضوية اللجنة المركزية بفتح، وكم الوعودات بالإنجازات التي طالت التعليم من تغيير اسم التوجيهي، لافتتاح مدارس وايصال كهرباء وتزويد غرف، وتكنلجة المناهج وجوائز المعلمات والطلاب، متناسين كم الاقالات القسرية للمعلمين والتهديد المباشر لحراك المعلمين من قمع أصبح مع الايام ذاتي.

بينما يجول رئيس الوزراء الجديد الأقاليم بين تثبيت وعودات او اخذ ولاءات ، وبالمقابل، تجييش للمستوزرين من وجهاء الشعب للمناصب الوزارية الشاغرة القادمة، كان من الأولى ان ينظر رئيس الوزراء المرتقب بموضوع الشاب محمود الحملاوي الذي تم قتله في سجون السلطة، وقضية الأسرى في النقب، غياب الامن الفلسطيني بينما يجول الجندي الإسرائيلي ويجول ليقتل الشباب بدم بارد من الدهيشة لمخيم قلنديا، قضية اقالة الدكتور سليم الحاج يحيى، وقضايا اعلام الكراهية التي يبثها اعلام السلطة ضد حماس وغزة وقضايا رأي عام يومية للظلم والفساد.

ولا أجد تعبيرا أفضل لأختم كما بدأت مع عبارة لعلي الوردي في “خوارق الشعور” مرة أخرى، ليذكرني بالحالي والسالف:

“إن من النادر أن نجد شخصاً وضع في بداية حياته خطة دقيقة للعمل فسار عليها خطوة بعد خطوة ثم نال النجاح أخيراً على أساسها. إن معظم الناس يتجهون في أول أمرهم نحو غاية ثم ينحرفون عنها أخيراً. إن واقع الحياة أقوى من أي خطة يضعها عقل محدود. فالإنسان ينجرف في كثير من الأحيان بتيار الحياة ويسير كما تمليه عليه ضرورات الساعة، فإذا نجح على سبيل الصدفة رأيته قد صعر خده على الناس وانثال عليهم لوماً وتقريعاً حاسباً سوء حظهم من صنع أيديهم”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن